الحيازة - الموضوع - حيازتي السلف والخلف وأحكام ضمهما
الموضوع/ حيازتي السلف والخلف وأحكام ضمهما
----------------------------------------------
أولاً: الوضع في قوانين الدول العربية :
تفرق القوانين بين حيازة الخلف العام والخلف الخاص المنتقلة من السلف كالمورث – والمتصرف حيث اعتبرت حيازة الخلف الخاص مستقله عن حيازة المتصرف له (السلف) فلا تنتقل الحيازة اليه من سلفه بذات الصفة ولا تعد استمرارا لحيازة السلف بل تنشأ مستقله من تاريخ إنتقالها اليه وتتميز بصفاتها التي قد تختلف عن حيازة سلفه. والعكس بالنسبة لحيازة الخلف العام (الوارث) فهذا الأخير اعتبرت القوانين حيازته إستمراراً لحيازة مورثه فالاصل ان الحيازة التي تنتقل للورثة ومن في حكمهم هي بذاتها حيازة المورث فهو يتلقى هذه الحيازة بصفاتها. ومعنى ذلك أنه إذا كانت حيازة المورث على الشيء حيازة عرضيه فإن هذه الصفة تظل ملازمة لحيازة الورثه بصرف النظر عن كونهم يجهلون سبب وضع يد مورثهم الوقتي أو يعلمون به، وكذلك بالنسبة لباقي عيوب الحيازه كالاكراه والخفاء والغموض فإذا كانت حيازة المورث مشوبه باحد تلك العيوب فانها تنتقل الى الورثه بذات الصفه التي كانت عليها معيبه بذات العيب ويظل هذا العيب أو ذاك ملازماً لحيازة الوارث بصرف النظر عن علمه أو عدم علمه بوجود ذلك العيب في حيازة مورثه لان الفرض أن حيازته استمرار لحيازة مورثه كما أن الاصل أنه يخلف مورثه في حقوقه والتزاماته القابله للانتقال ولكن يجب ملاحظة أن بالامكان زوال تلك العيوب بالشروط التي يحددها القانون,
وبخصوص نية المورث فيما اذا كان حسن النية أو سيئ النية فالاصل فيها ايضاً أنها تلازم الحيازه في إنتقالها الى ورثته إلا أن القوانين العربيه اختلفت في بقائها على هذا الاصل وفي الخروج عليه بمقتضى استثناء نصت عليه القوانين حيث يلاحظ أن المشرع المصري أجاز صراحة للوارث حسن النية أن يتمسك بحسن نيته (م955/1) بينما ذهب القانون السوري والاردني الى القول أنه إذا كان السلف سيئ النية فان تنتقل الحيازة إلى الخلف العام بذات الصفه فيفترض سوء نيته الى أن يثبت العكس بإثبات حسن نيته وعند ذلك يجوز له أن يتمسك بحسن نيته,
وبالمقارنة بين الاتجاهين نرى أن القائلين بالرأي الثاني الذي يتوافق مع صراحة النصوص التي تقرر صراحة أن الحيازة تنتقل من السلف الى الخلف العام بصفاتها كما أنه يتوافق مع ما استقر عليه الفقه والقضاء في مصر وفي فرنسا أي أن حيازة الوارث ليست سوى استمرارً لحيازة المورث أو كما يقولون (المورث هو والورثة يكونون شخصية قانونية واحدة بالنسبة الى وضع اليد) ويقول الفقه بخصوص هذا النص على أن القول أن للوارث حسن النية أن يتمسك بحسن نيته يتعارض تعارضاً ظاهراً مع قول المشرع في المادة(955/1) مصري أن الحيازة تنتقل للخلف العام بصفاتها، إذن كيف نتصور عقلاً أن تتغير صفة الحيازة وهي هي ذاتها التي تنتقل الى الورثة
ثانيا:- الوضع في القانون اليمني
تنص المادة(1110)على أنه((تنتقل الحيازة للخلف العام(الوارث) وللخلف الخاص(المشتري ونحوه) بصفاتها إلاّ أنه يجوز للخلف الذي يجهل أن سلفه كان غير مالك( غاصب) للشيء الذي يحوزه أن يتمسك بأنه مالك إلى أن يثبت العكس)) وتنص المادة(1277) من المذكرة الايضاحية للقانون المدني السابق المقابله للمادة(1110) من القانون الحالي في تفسير ذلك النص على أنه(( تبين أن الحيازة للشيء إذا كان من نوع معين حيازة ملك أو حيازة إنتفاع مثلاً فإنها تنتقل لخلفه العام أي وارثه أو لخلفه الخاص إلى الذي يتلقى منه الشيء المحوز بتصرف ما بنفس نوعها وصفاتها التي كانت عليها. أي حيازة ملك إذا كانت في الأصل كذلك و نفس الشأن بالنسبة لصفات الحيازة من غصب أو إخفاء أو غموض وما إلى ذلك) وتستدرك المادة في فقرتها الثانية بالنسبة للخلف الذي يجهل أن سلفه كان غاصباً للشيء بل يعتقد أنه مالك له , واستمر في حيازته للشيء على أنه مالك فيه فيعامل كأنه مالك الى أن يثبت العكس فلا تطبق عليه أحكام الغصب إلا إذا ثبت أنه علم بأن سلفه كان غاصباً للشيء لا مالكاً له ومن وقت ثبوت علمه لا من وقت إنتقال الشيء إليه إن كان الإنتقال إليه أسبق..))
ومن خلال مراجعة النص الوارد في القانون اليمني نلاحظ أنه ساوى بين إنتقال الحيازه الى الخلف العام أو الى الخلف الخاص حيث جعل الحكم في الحالتين إعتبار حيازة الخلف العام أو الخاص استمرارا لحيازة السلف مورثاً كان أو متصرفاً تنتقل الحيازة من السلف الى الخلف العام أو الخاص بصفاتها دون تمييز.
ويلاحظ أن النص ذهب بخصوص صفة حسن النية أو سوئها حيث أعتبر أن الاصل فيها انها تلازم الحيازه في انتقالها الى الخلف العام أو الخاص ومع فرض أن حيازة السلف كانت بسوء نية فإنها تنتقل الحيازة الى الخلف العام أو الخاص بذات الصفة فيفترض سوء نية الخلف ويترتب على ذلك الآتي:-
إذا كانت حيازة السلف قائمة على الغصب المادي أي أنه حصل عليها عن طريق القوه أو التهديد أو إستخدام الغش والحيله فالفرض فيه سوء النية وعند أنتقالها الى الخلف العام أو الخاص فإنه يفترض في حيازة السلف سوء النية الى أن يثبت العكس أي إثبات حسن نيته فاذا لم يتمكن من إثبات حسن نيته حين إنتقال الحيازة اليه كانت حيازتة قائمة على سوء النية أي مشوبه بعيب الغصب فلا يستطيع أن يستفيد من حيازة سلفه ولا من حيازته هو بإعتبار إن هذه الحيازة عديمة الاثر سواء من حيث حمايتها بدعاوى الحيازة وسواء من حيث الإعتماد عليها كسبب لمنع سماع دعوى الملك وسواء من حيث الآثار الأخرى ويقتصر أثر هذه الحيازة أن الخلف الخاص لايكون مسئولاً عن ضمان تلك العين الا من تاريخ انتقال الحيازة اليه مع مراعاة مايرتبه القانون اليمني على حسن النية أوسوئها من آثار .
ونفس الحكم إذا كانت حيازة السلف قائمة على الغصب المعنوي كأن يكون السلف يستند في حيازتة الى سبب صادر من غير مالك مع اقتران ذلك بسوء النية فإن هذه الحيازة تنتقل الى الخلف العام أو الخاص بذات الصفه حيث يفترض في الخلف الخاص أو العام سوء النية ما لم يثبت حسن نيته فاذا لم يثبت حسن نيته عند إنتقال الحيازة اليه فإنه كذلك يعامل معاملة الغاصب على النحو الموضح في الفقره السابقة , ولكن اذا أستطاع الخلف العام أو الخاص إثبات حسن نيته عند إنتقال الحيازة اليه فانه يعامل معاملة المالك الى أن يثبت العكس.
أي أن الخلف وقبل أن يثبت المدعي أمرين(غصب السلف – وسوء نية الخلف) يستفيد من ثلاث مميزات الاولى: ضرورة إحترام حيازته والتعامل معها كقرينة على الملكية فلا يجوز إنتزاع العين من تحت يده الا بحكم شرعي بناء على ثبوت أن يد السلف كانت يداً غاصبة وبالتالي إعتبار الحائز غير مالك وثبوت إستحقاق المدعي للعين طبقاً لنص المادة(1117)التي تنص على أنه (ليس لمدعي الملك أن ينزع يد الثابت على الشئ بدون رضاه إلا بحكم قضائي وللمدعي أن يلجأ إلى القضاء , ويجوز للقاضي إن رأى ذلك للمصلحة أن يعدل الشئ المتنازع عليه , بأن يأمربتسليمة لعدل لحفظه لحين الفصل في دعوى الملك بحكم نافذ , فيسلم الشئ لمن حكم له).
الميزة الثانية: تكون حيازته حيازة جديدة مستقلة عن حيازة سلفه تبدأ من تاريخ إنتقال الحيازة اليه فهو إذا كان لا يستطيع أن يضم حيازة سلفه الى حيازته إلا أنه لا يستطيع أن يستفيد من حيازته هو الا إذا مر على حيازته بحسن نية (30) عاماً طبقاً لنص المادة(1118) بمنع سماع دعوى الملك ومن لا تسمع دعواه لا تسمع أدلته فيحول بين المالك وبين إثبات ملكه واذا لم تكتمل هذه المدة من تاريخ إنتقال الحيازة اليه الى تاريخ علمه أن سلفه كان غير مالك(غاصب) فتقتصر الفائده من حيازته المقترنه بحسن النية أنه لا يتم معاملته معاملة الغاصب سيئ النية ولكنه يعامل معاملة الغاصب حسن النيه وهذه هي الميزه الثانية.
الميزة الثالثة: وعلى فرض عدم مضي المدة القانونية على حيازة الخلف حسن النية ونجاح المدعي في إثبات غصب السلف وملكيته للعين وسقوط قرينة الملكية فإنه لا يعامل الحائز حسن النية معاملة الغاصب فيما يرتبه القانون على الغصب التام من آثار إلا من تاريخ علمه بالغصب لا من تاريخ إنتقال العين اليه ولا يمكن القول بمعاملته معاملة المالك في الفترة ما بين إنتقال الحيازة وبين علمه كما هو الحال في القوانين المقارنة من حيث تملكه الثمار وأعفائه من الضمان – واعفائه من الاجره بل القصد عدم معاملته معاملة الغاصب سيئ النية وانما يعامل معاملة واضع اليد على ملك الغير بحسن نية التي لا تختلف عن يد الغاصب سوى في إعفائه من فارق الاجره بين إجرة المثل والاجرة بأوفر القيم وإعفائه من فارق الضمان بين ضمان قيمة المثل عند التلف والقيمة بأوفر القيم ومن حيث إعفائه من الفوائد الفرعية غير اجرة المثل طبقاً لنص المواد (1141.1140.1137.1119) من القانون المدني,
فهذا هو التفسير الصحيح لنص المادة(1110) المتفق مع نصوص وأحكام الغصب في القانون اليمني التي تمثل القواعد الخاصة والمتفق أيضاً مع السائد في الفقه الإسلامي كما أن مكان النص ومن ما سبق نختم ذلك التفسير أخيراً بالقول بغير ذلك ومجاراة ظاهر ما ورد فيه من تفسير في المذكرة الإيضاحية بقولها: أن الخلف الخاص والعام لا يتم تطبيق أحكام الغصب عليها إلا من تاريخ العلم ، الأمر الذي قد يوهم بمفهوم المخالف أن يعامل قبل ثبوت علمه وسبق نية معاملة المالك في كل ما يرتبه القانون على الملكية من آثار سيترتب عليه الآتي .
تعارض حكم هذا النص مع النصوص الوارده في أحكام الغصب وهذه الأخيرة أولى بالتطبيق لكونها نصوصاً خاصة .
وإذا كان من المقبول افتراض إمكانية معاملة واضع اليد على ملك الغير بعد الحكم باستحقاقها للغير معاملة المالك في كل شيء بخصوص الخلف الخاص حسن النية فإن ذلك غير ممكن بالنسبة للخلف العام (الوارث) لأن القاعدة (( ان المورث و الورثه يكونون شخصيه قانونية واحده بالنسبة لوضع اليد )) وكذلك أن الوارث يخلف المورث في حقوقه والتزاماته .
وأخيرا :- إذا كانت حيازة السلف بحسن نية أي أن أصل مدخلها كان غير معروف وخالية من عيب الاكراه أو أن حيازته كانت قائمة على سبب صحيح مقترن بحسن نية........ في هذه الحالة سواء كان الخلف خلفاً عاماً أو خاصاً من مصلحته أن يضم حيازة سلفه الى حيازته ويستفيد منها في كل ما يرتبه القانون عليها من أثار أما إذا ثبت سوء نيته هو وكانت حيازة السلف بحسن نيه فانه يعامل معامله الغاصب سيئ النية من تاريخ الغصب إذا كان خلفاً عاماً باعتبار أنه يخلف سلفه في الالتزامات وفي الحقوق أو من تاريخ انتقال الحيازة إليه إذا كان خلفاً خاصاً باعتبار أنه لا يخلف سلفه من حيث الالتزامات.ويستثنى حيازة المنقول وفقاً للمادة(74) في القانون التجاري كما سيأتي:
هـ- وإذا كانت العين المحوزه من المنقولات وكانت مما تدخل في نشاط التاجر وكان الخلف خاصاً وكانت حيازة سلفه بسوء نيه(غاصب) ولكن حيازته هي قائمه على سبب صحيح مقترنه بحسن النيه فإنه يتملك المنقول وفقاً لقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية وإذا كانت حيازة سلفه بحسن نية أي قائمة على سبب صحيح مقترنه بحسن النية فإنه يتملك المنقول وفقاً لقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية ولو كان هو سئ النية لإنه هنا يتمسك بسند سلفه المقترن بحسن النية وفقاً لنص المادة(74) من القانون التجاري أما القانون المدني فلم ينظم هذه القاعدة بل يعامل حيازة المنقول معاملة حيازة العقار.
اعد البحث من قبل
د/ إسماعيل المحاقري أستاذ القانون المدني كلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء


التعليقات على الموضوع